الأكثر رواجاً

التاريخ الاسلامي الوجيز

يؤرخ لدول المسلمين من بداية ظهور الإسلام وحتى الانقلاب…

القواعد الفقهية في كنز الراغبين للمحلي

الإلمام بالقواعد الفقهيَّة ضروري لكل طالب علم ولكل…

إعراب القرآن الكريم كبير

أعربت كلمات وجمل كل صفحة من المصحف في الصفحة ذاتها،…

ابحث عن

مؤسس الدار : أحمد راتب عرموش
تأسست سنـــة 1390هـ - 1970م
 

مساحة إعلانية

 
تمت رفع رواية بعنوان "السكماني" للبروفسور الدكتور جمال البدري ضمن كتب مجانية
 
 

أخلاق العلماء وأخلاق الجهلاء

أكتب هذه الكلمة من وحي النقاشات التي أقرؤها على صفحات بعض المواقع، وأضرب أمثلة حدثت معي شخصياً لعلنا نستفيد منها.

فقد كلفت مرة خطاطاً ليكتب لي عنوان كتاب "الحد الفاصل" فجاءني بالخط وقد جعل في أوله الألف واللام والحاء ومدها سانتمترات ثم جمع بقية العنوان، أي الدال كلمة والفاصل معاً.

نظرت في العنوان وبدا لي مشوهاً، فقلت للخطاط ألا ترى عدم تناسب بين أوله وآخره. فأجاب هذه أصول الخط الفارسي. قلت ألم توضع قواعد الخط لابراز جماله، ونستطيع أن نعدِّل فيها؟ فقال: إنه يضع قدمه في فم من ينتقد خطه لأنه يتبع الأصول... ولا أعرف كيف ألهمني الله الصبر على الرغم من شبابي يومها، فأنهيت النقاش، ودفعت إليه أجرته. واتصلت بخطاط آخر، شرحت له ما دار بيني وبين الخطاط الأول، فقال لي أنت على حق. ولكن في هذه الحالة يمكن حل الإشكال من دون مخالفة أصول الخط الفارسي بمدِّ الحاء والفاء، فيحصل التناسق. وهذا ما فعلناه.

وفي المقابل وردني يوماً كتاب بعنوان "قراءة سياسية في السيرة النبوية" والكاتب عالم في الشريعة، واستاذ جامعي، ومؤلف مشهور نشرت له الدار أكثر من عشرين مؤلفاً. وكنت قد أنهيت من زمن غير بعيد تأليف كتاب بعنوان "قيادة الرسول السياسية والعسكرية"، ولاتزال المعلومات عالقة في ذهني، فراجعت الكتاب المعروض، فوجدت فيه هنات كثيرة. فقررت بعد تفكير طويل مراجعة المؤلف بها. فكتبت إليه رسالة مطولة من صفحات عدة ذكرت فيها ملاحظاتي. وأذكر منها أنني قلت: لماذا تذكر حادثة شق الصدر في كتاب كهذا، وهل هي من الإيمان في شيء، وبخاصة أن الشباب الذين سيقرؤون الكتاب سيتساءلون، ألم يكن بمقدرة الله تعالى ألا يضع هذه المضغة أصلاً في صدر الرسول؟ وهل الملائكة بحاجة إلى طشت من ذهب، ومبضع الله أعلم به لاجراء العملية...

ثم ما فائدة ذكر أن الرسول (ص) كان يطوف على نسائه الثلاثة عشرة في ليلة واحدة. وهل في هذا تشريف للرسول. ألم يكن عنده عمل آخر، علماً بأن الحادثتين مذكورتان في كتب السيرة. وختمت بأنني على استعداد لطباعة الكتاب كما هو، ولكن لمعزتي له فضلت إبداء هذه الملاحظات، لأن صدور الكتاب كما هو يسيء لمؤلفه. وتوقعت أن يأتيني الجواب: ما دخلك أنت في الموضوع؟ كما قال لي مرة أحد المؤلفين. أنت عليك أن تقول أعتذر عن نشره أو سأنشره..

وكانت المفاجأة أن جاء ردُّ المؤلف: يا أخي، والله سئمت المنافقين لقد استشرت أصدقاء عدَّة فيما ورد في الكتاب، وقرأه عدد منهم ولم تردني ملاحظة واحدة... أعد لي مسودته لأعيد النظر فيه فالحق معك. وبقي يعيد النظر فيه ما يقرب من سنة. ثم صدر الكتاب فنال من القبول ما لم ينله غيره.

هكذا أخلاق العلماء، وأما الجهلاء فلا فائدة في مجادلتهم. وحبذا لو فكر كل إنسان فيما يقوله الآخر، فإن كان على حق أخذ به، وإن بدا متشبثاً بالباطل فالأفضل عدم الدخول في نقاشات لا طائل تحتها. فالله عز وجل أمر نبيَّه بأن ينهي النقاش مع الكافرين بقوله: "لكم دينكم ولي دين".