الأكثر رواجاً

التاريخ الاسلامي الوجيز

يؤرخ لدول المسلمين من بداية ظهور الإسلام وحتى الانقلاب…

القواعد الفقهية في كنز الراغبين للمحلي

الإلمام بالقواعد الفقهيَّة ضروري لكل طالب علم ولكل…

إعراب القرآن الكريم كبير

أعربت كلمات وجمل كل صفحة من المصحف في الصفحة ذاتها،…

ابحث عن

مؤسس الدار : أحمد راتب عرموش
تأسست سنـــة 1390هـ - 1970م
 

مساحة إعلانية

 
تمت اضافة خاطرة جديدة ضمن اخترنا لك بعنوان: حول معارض الكتب........................ تم رفع كتاب النشاط السري اليهودي للأستاذ غازي فريج ضمن الكتب المجانية
 
 

الثقافة والكتاب ومعارضه

اشتق مصطلح "الثقافة" في العربية من تثقيف الرماح، أي تسويتها، وتقويم اعوجاجها ومن هذا المعنى أخذ المصطلح مضمونه، واختلفت تعريفاته، ولكن معظمها يتضمن مختلف العلوم الانسانية والفنون والقيم الاجتماعية والمعارف العامة... ولهذا فلكل شعب ثقافته التي تختلف عن غيره من الشعوب، على عكس الحضارة التي هي نتاج بشري مشترك.

وسنقصر كلامنا هنا على دور الكتاب في تثقيف المجتمع، إذ يعد الكتاب من أهم وسائل المعرفة كونه الوعاء الأفضل لأي معلومة، والناشر واسطة تعميمها.

وفي الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي كان للعرب قضية تجمعهم، وكانت الساحة العربية ملعباً تتصارع فيه الأفكار الأصيلة والمستوردة، وأولت الدول العربية اهتماماً خاصاً للكتاب، وبخاصة مع بداية السبعينيات. وكانت دور النشر قليلة، وطبيعة عملها غير واضحة عند كثير من الناس..

لذلك كانت معظم الدول التي تنبهت مبكرة إلى أهمية المعارض تسعى لإغراء دور النشر بالمشاركة في المعارض، وتقدم تسهيلات كثيرة منها مجانية الأجنحة، ومساعدات في الشحن، وتخليص مجاني، وحسومات في الفنادق، بالإضافة إلى الحفلات والضيافات، وأحياناً لقاءات مع مسؤولين ناهيك عن مشتريات الوزارات والمؤسسات من المعارض.

ولم يشب بعض المعارض إلا الرقابة على المعروضات، ومنع الرقيب المتوجس دائماً، والخائف من معلومة في كتاب لا تتلاءم وسياسة دولته.. وأذكر أنه جمعتني يوماً طاولة غداء على شرف المشاركين في أحد المعارض مع مسؤولين، وسألني أحدهم عن طريقة تجذب الزوار إلى المعرض فأجبته: ألغو الرقابة، ففغر فاه، وفتح آخر أذنيه، فشرحت لهم أن القارئ إن لم يجد ما يشده إلى المعرض فلماذا يزوره؟ وأن خمسين نسخة من كتاب لا تخرِّب دولة. وفي المعرض التالي خففت الرقابة كثيراً.

وكانت دور النشر اللبنانية، وهي بالعشرات، عماد كل معرض، ولا يمكن إقامة معرض من دونها. فكثير من الدول العربية لم يكن فيها دور نشر، وما يمكن أن ينشر تقوم به المطابع أو المكتبات.

ودارت الأيام وتغيرت الأحوال. وانتشرت دور النشر في البلاد العربية كلها، وأصبح عددها بالآلاف. وتحولت معظم المعارض إلى مشاريع تجارية تبغي الربح لا نشر الثقافة. وأصبح بالإمكان الاستغناء عن مشاركة أي دار مهما بلغت أهميتها، بل عن مشاركة دور دولة مهما بلغ حجمها.

ونسي معظم العرب قضيتهم الأولى، وانحاز بعضهم إلى التطبيع مع المغتصب، وأصبحت منشورات الدور التي تهتم بالقضية منبوذة بعدما كانت محبذة، واحياناً تحرم من المشاركة في بعض المعارض. وغدا العدو يتدخل في برامج التعليم، وما يجب أن يكتب، وما يجب ألا يكتب... ولا نطيل. ويكفي أن مفكراً عربياً قال لي يوماً: أكثر من الكتب التي لا رائحة لها ولا لون ولا طعم، فإن طبيعة المرحلة تقتضي ذلك.

وهكذا تغير مفهوم الثقافة، وطغت ثقافة التطبيع على ثقافة التحرير، وهرب كثيرون إلى حقول ثقافية لا علاقة لها بالثقافة، وخصصت معظم ميزانيات وزارات الثقافة لحفلات الرقص والغناء، وسادت ثقافة لا صوت يعلو فوق صوت الأمن. فكم من معرض بقيت الأجنحة فيه بلا مندوبين، لأن الأمن لم يوافق على منح تأشيرات للمندوبين، ولا نزيد فالناس يعيشون هذا الواقع.

والأمر الوحيد الذي لم يتغير هو الرقابة على كل ما يكتب أو ينشر، ما يجعل الكاتب والناشر كالسائر في حقل ألغام، فالمخطط له أن يتحولوا إلى كائنات آلية بلا رأي..

وأذكر أنه في آخر معرض زرته في إحدى الدول العربية قال لي مندوب الأمن عندما التقيته صدفة في أحد الأجنحة: لقد سمحنا لك بجميع العناوين في المعرض، فهل سرك ذلك؟ قلت: لا، ففوجئ هو والحاضرون، وسأل: كيف!؟ قلت: المفروض إلغاء الرقابة من أصلها. فالدنيا تغيرت، وأنتم تلاحقون كلمة في كتاب قد لا يقرؤه مئة شخص، بينما تعرض الفضائيات ويتبادل القراء على الهواتف ملايين التعليقات والانتقادات وغيرها ولا تستطيعون شيئاً حيالها.. وانتهى الحديث بأننا لا نستطيع إلغاء الرقابة. مع أنه في العصر الحاضر، وفي ضوء ثورة الاتصالات، وتدفق المعلومات، وتماذج الثقافات، فقدت طبائع الاستبداد القديمة مفعولها، ويتوقع ألا تحد الحرية ولا نضبطها إلا حدود حريات الآخرين، أفراداً وجماعات، ومصلحة عامة في ظروف خاصة تقدرها دولة واعية. والحرية تقابلها مسؤولية، ولا يطالب عاقل بحرية بلا ضوابط.

وأدى هذا الواقع المؤلم في السنوات الأخيرة، بالإضافة إلى تفشى الأمراض وما نتج عنه من تباعد، وتردي الأوضاع الاقتصادية، وشيوع الانترنت، وقرصنة الكتب إلى العزوف عن الكتاب، بحيث توقفت تقريباً المكتبات عن استيراد الكتب، وبخاصة أن معظمها دكاكين صغيرة، ما جعل معارض الكتاب الوسيلة الوحيدة لتحصيل سيولة من المبيعات، على الرغم من ضآلة المردود، واقتصار الفائدة على عدد محدود ناتج عن الفساد المألوف في معظم البلاد.

وفي ضوء تهافت الناشرين على المعارض يواجه منظموا المعارض واللجان عقبات كثيرة، وبخاصة أن بعضهم قليل الخبرة بدور النشر، ضعيف الثقافة. ويبدو أن معظمهم لا يمنح المدة الكافية للتحضير. وهم في أغلب الأحيان مقيدون بالمكان وبالزمان وفي اختيار نوعية معينة من دور النشر، ومن المنشورات، فيطلب منهم استبعاد نوع معين من الكتب، وربما أحياناً دار نشر بعينها، فهرب كثير منهم إذا استثنيا الفساد إلى تشجيع دور النشر والكتب التافهة ذات الثقافة الهابطة، وبخاصة في كتب الأطفال، إذ يشكل ما يحدث في هذا القطاع كارثة ستظهر آثارها بعد سنوات، لأن ما يترجم منها في أغلب الأحيان دخيل علينا ومسيء لثقافتنا.

ولاريب أن الموضوع الذي طرحناه يحتاج إلى مئات الصفحات، وإلى دراسات معمقة. ولكننا لخصنا الموضوع وعلينا الآن محاولة اقتراح حلول، في ظل هذا الواقع المرير. وإن كان ما بيد الناشرين من حلول لا يتجاوز ال10% من المشكلة التي يعود حلها إلى الدول، وقد تحدثنا عن ذلك في كلمة سابقة.

وما أراه أنه على المؤلفين والناشرين ألا يملوا من الحديث عن أهمية الحرية وتبيان فائدتها للحاكم وللمحكومين، وأن الشعب المثقف أفضل بكثير من الشعب الجاهل في عصر الهواتف الذكية والفضائيات التي صغرت العالم.. وعلى الناشرين التعاون فيما بينهم في مختلف المجالات، وبخاصة ضرورة ايجاد شركات توزيع تعيد للمكتبات نشاطها في استيراد الكتب. وهذا يقتضي تشجيع إدارات المعارض على اشتراط عدم بيع الجملة في المعارض، فهو وإن كان يحقق ربحاً آنياً للناشر فإنه يحرمه التصدير ويجعل المكتبات تنتظر المعارض للحصول في نهايتها على أسعار متدنية وتوفر الشحن والتخليص...

وكذلك السعي لتخفيض أجور البريد التي تفوق ثمن الكتاب حالياً، والتعاون في إنشاء شركات البيع الافرادي للكتاب الورقي، ومشاركة عدد من دور النشر في جناح واحد، وبخاصة الدور التي لا تتعارض منشوراتها بل يكمل بعضها بعضاً، والتنسيق مع ادارات المعارض بحيث يمكن مشاركة أكبر عدد من دور النشر في المعارض في مساحات محدودة.

وعلى الاتحادات السعي لدى الدول لتخفيض تكاليف المشاركة في أي معرض، وإعادة المعارض إلى سابق عهدها منارات ثقافية لا مشاريع تجارية، وأن يعطى منظموا المعارض الوقت الكافي لتنظيم أي معرض بحيث لا يتكرر ما يحدث من تأخير في الشحن أو في التأشيرات أو غير ذلك مما يعرفه الناشرون.

وختاماً وعملاً بالقول المأثور: "الإنسان حيث يضع نفسه"، على كل ناشر أو مؤلف اختيار مكانه ودوره الثقافي. والله الموفق.

  أحمد راتب عرموش

 دار النفائس- لبنان

26-07-2022