الأكثر رواجاً
ابحث عن
تأسست سنـــة 1390هـ - 1970م
مساحة إعلانية
الدولة في خدمة الشعب
من المعروف أن الدولة تتكون من وطن وشعب وسلطة، ولكن عامة الناس اعتادوا استعمال كلمة "الدولة" بمعنى السلطة، وسنجاريهم في هذا الاستعمال، وإن عممنا فإنما نقصد معظم لا كل المقصودين بالكلام.
والمفروض أن الدولة في خدمة الشعب، والتساؤل الذي يدور في أذهان الكثيرين منا هل دولنا هي في خدمتنا؟ وبعيداً عن الحكام وطرق وصولهم إلى السلطة بالانتخاب أو بالوراثة أو بالتغلب أو بالتزوير أو بغير ذلك. وباستثناء القمع والاعتقالات والاغتيالات والسجون والمعتقلات التي لا يمكن أن تكون في خدمة الشعب، وبعيداً عن الفساد والرشوة والمحسوبيات والسرقات، سنتحدث عن ظاهرة العداء بين الدولة والمواطن التي تبدو جلية ويعاني منها كل مواطن لديه معاملة لدى الدولة.
فالموظف الذي هو خادم الشعب ويتقاضى معاشه منه ينظر إلى صاحب المعاملة بتعال ولا يبالي بتأخيره، وبتعذيبه بالمراجعة مرات عدة، وإن كان ينقصها بعض الوثائق لا يطلبها منه مرة واحدة، بل يستمتع بالعودة إليه وإظهار تفوقه عليه، وبعضهم يأنف الشرح لصاحب العلاقة ما ينقص معاملته، في حين قد لا يكون طامعاً برشوة، وقد يكون صاحب المعاملة موظفاً مثله في وزارة أو دائرة أخرى.
وهذه الظاهرة تحتاج إلى دراسة أسبابها، ومحاولة إيجاد طرق للقضاء عليها من قبل علماء مختصين، وأعلم عدم أهليتي لاستنتاج أسبابها، ولكنني أبدى رأياً يحتمل الخطأ والصواب.
فبالعودة إلى أواخر الحكم العثماني، كان السلاطين يفرضون على الوالي مبلغاً سنوياً يؤديه إلى الدولة. وكان على الوالي أن يجتهد في تحصيل هذا المبلغ من المواطنين ومن يتخلف عن الدفع يتعرض للضرب والإهانة والحبس. حتى القرى الصغيرة لم تكن تسلم من الجباية، وكثيراً ما حدثتني جدتي أن "التحصيل دار" أي الجابي، كان يأتي إلى قريتنا ومعه عساكر، فيأخذون المعلوم الذي يفرضونه على القرويين بالقوة، ما ولد عداء بين المواطنين والدولة. توارثه الأبناء عن الأباء. ولما زالت الدولة العثمانية ورثها في بلادنا المستعمرون، فكانوا أكثر ابتزازاً وصلابة مع المواطنين. واعتمدوا على طبقة مستهترة بالقيم وبالمواطن مازاد العداء. حتى إذا جاء دور الدولة الوطنية، لم يتغير الموظفون، وكثيراً ما ورث الأبناء الآباء، فاستمر سلوك الموظفين بشكل عام كما هو. ولم يحسن الأحوال توظيف النساء، فمعظمهم استرجل وزاد. واستمر المواطن في واد والدولة في واد آخر. ولن يتغير هذا الحال إلا بصلاح الرأس، وإخضاع الموظفين قبل التحاقهم بوظائفهم بدورات توجيهية تعلمهم أن دورهم هو خدمة المواطن وتيسير أموره لا تعقيدها وتعسيرها، وتحويله إلى عدو للدولة.
وختاماً لا يفوتني التذكير بأنه كما يوجد موظفين تدفعهم عقدهم النفسية وشعورهم بالسلطة إلى الإساءة إلى المواطنين، يوجد بعض الموظفين تربوا في بيوتهم تربية صالحة، ويتمتعون بأخلاق كريمة، وهم مؤهلون لأن يكونوا قدوة للباقين الذين تحثنا عنهم.
أحمد راتب عرموش
22-09-2022