الأكثر رواجاً

التاريخ الاسلامي الوجيز

يؤرخ لدول المسلمين من بداية ظهور الإسلام وحتى الانقلاب…

القواعد الفقهية في كنز الراغبين للمحلي

الإلمام بالقواعد الفقهيَّة ضروري لكل طالب علم ولكل…

إعراب القرآن الكريم كبير

أعربت كلمات وجمل كل صفحة من المصحف في الصفحة ذاتها،…

ابحث عن

مؤسس الدار : أحمد راتب عرموش
تأسست سنـــة 1390هـ - 1970م
 

مساحة إعلانية

 
تمت اضافة خاطرة جديدة ضمن اخترنا لك بعنوان: حول معارض الكتب........................ تم رفع كتاب النشاط السري اليهودي للأستاذ غازي فريج ضمن الكتب المجانية
 
 

العالم دار عهد

لا ينكر عاقل وجود عداء متجذر بين العالم الذي يدين بالاسلام وبين العالم الذي يدين بالمسيحية على اختلاف مذاهبه، وادعائه العلمانية، وفصل الدين عن الدولة. فتبني العلمانية في دولة ما، لا يعني ترك حكامها وشعوبها عقائدهم الدينية. ولا علاقة لمسيحي المشرق بما سنذكره.

ولهذا العداء جذور تعود إلى بداية ظهور الإسلام في الجزيرة العربية، إذ كان الرومان المسيحيون يحتلون بلاد الشام، ولم يكترثوا في بداية الأمر لما يحدث في بلاد العرب، ولم يكن ذلك يعنيهم.

ولكن لما شعر هرقل، عظيم الروم، بقوة العرب نتيجة توحيد الجزيرة العربية تحت قيادة الرسول (ص)، أدرك الخطر القادم من الجنوب على ملكه، فحشد قوة كبيرة استعداداً لغزو المدينة عاصمة الدولة الناشئة، فتحرك الرسول (ص) لما علم بذلك الحشد، بجيش كبير لمواجهته. وكانت تلك الغزوة أول احتكاك بين المسلمين والمسيحيين، علماً بأنه لم يحدث فيها قتال.

ومن المعروف أن الرومان كانوا في سورية محتلين، ولم يكونوا من سكانها الأصليين، والمحتل مكروه في مطلق الأحوال.

ولا ريب أن تحرك المسلمين كان دفاعياً في عملية استباقية لإجهاض الاعتداء المؤكد عليهم، الذي كان يعدُّ له الرومان المسيحيون... وأما حروب المسلمين اللاحقة مع المسيحيين، التي سنذكرها بإيجاز، ونقتصر عليها وحدها حتى لا نخرج عن موضوعنا، فقد كانت كلها إما دفاعية أو استباقية، أو بناء على طلب السكان لتحريرهم من محتلين. ولم يجبر الفاتحون المسلمون أحداً على اعتناق الإسلام، واحترموا نبي المسيحيين، وأمه، وتركوا سكان البلاد يمارسون شعائرهم بحرية واحترام. لأن عقديتهم الدينية تأمرهم بذلك. ولمن يرغب بالتأكد يمكنه الرجوع إلى القرآن الكريم، فسيجد عشرات الآيات تخاطب الرسول (ص) أنه منذر، أو مبشر، أو مبلغ... وأنه من شاء فليؤمن، ومن شاء فليكفر ، وحسابه على الله تعالى... والدليل القاطع على ما نقول هو استمرار الوجود اليهودي والمسيحي في بلاد المسلمين خلال أكثر من 1400 سنة.

وفي العهود الأولى لدول المسلمين كانوا يشكلون قوة مرهوية الجانب، ولكن ما أن شعر العالم المسيحي بضعف المسلمين حتى شنوا عليهم ما سموه "الحروب الصليبية" واستمرت مئتي عام (1097 – 1291م) في تسع حملات متتالية. فهل يمكن وصف تلك الحملات بغير الاعتداء المقصود؟ علماً بأن ذريعة تحرير بيت المقدس تسقط أمام منح المسلمين الحرية لكل من يرغب بزيارته أو الحج إليه. وقصة عمر ابن الخطاب مع بطريرك القدس معروفة، وحماية كنيسة القيامة وحفظها من قبل المسلمين، وانتقال مفتاحها عبر الأجيال معروف أيضاً.

ولما اشتد ساعد الدولة العثمانية التي خلفت المماليك شنت حروباً على أوربا، ولكن حروبها كانت دفاعية استباقية إلا ما ندر، لقناعتها بأنها إن لم تقض على قوى أعدائها، فسينقضون عليها ويدمرونها. ويمكن لم يرغب بالتأكد من هذه الحقيقة مراجعة تاريخ الدولة العثمانية.

والدليل الساطع على هذه الحقيقة أيضاً أنه ما أن ضعفت وتراجعت قوتها، حتى انقض عليها العالم المسيحي، واحتل أراضيها، وقسم امبراطوريتها وفرض عليها شروطاً قاسية في معاهدات لا تزال تعاني منها حتى الآن.

وتلى ذلك استعمار معظم الدول التي كانت أجزاء من الامبراطورية العثمانية، والتي غالب سكانها من المسلمين. ولما تحررت تلك الدول من الاستعمار المتفوق صناعياً وتكنولوجياً، استمر في مؤامراته على تلك الدول وسلب خيراتها، وعلى عدائه وحقده الدفين الذي لا مسوغ له، متبعاً أقذر الأساليب مما لا مجال لتفنيده في هذه الكلمة الموجزة.

ويعود السبب في ذلك، بالإضافة إلى الجشع وسلب الخيرات، إلى الخوف من عودة المسلمين، وبخاصة العرب منهم، إلى وحدتهم، والتمسك بعقيدتهم ما يشكل خطراً على مصالح المعتدين.

وهم محقون في أن قوة العرب خاصة، والمسلمين عامة، في وحدتهم، وسلامة عقديتهم. وغير محقين في الخوف من الإسلام. فالإسلام دين سلام لا دين اعتداء. والأمر الإلهي بذلك صريح واضح قاطع في قوله عز وجل ﴿وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾ [سورة البقرة / الاية/١٩٠ ] والمنظمات التكفيرية المتطرفة التي يصنعها الصهيوصليبيون، فيهرع إليها متحمسون دافعهم، بالإضافة إلى العقيدة، الانتقام للظلم المحيق بهم من معظم الغرب المسيحي الذي زرع في بلادهم كياناً دخيلاً، ويتآمر عليهم بمختلف الطرق والوسائل حتى كرهوا الحياة، فأخذوا يسوغون تصرفاتهم بالجهاد الذي له ضوابط بعيدة عما يدفعون إليه. فالإسلام لا يقسم العالم كما يروجون إلى دارين لا غير: دار الإسلام ودار الحرب أو الكفر. فهناك دار ثالثة هي دار العهد، وتشمل الدول غير المسلمة التي ارتبطت مع الدولة الإسلامية بمعاهدات عدم اعتداء، ولا يجوز للدول الإسلامية نقض العهد، بحسب الآية 34 من سورة الإسراء ﴿ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا﴾ والفقهاء الذين تحدثوا عن دار العهد لم يقولوا بذلك بحسب أمزجتهم، فالآيات الكريمة واضحة، صريحة، قاطعة بهذا المعنى إذ يقول عز وجل في آيات من أواخر ما نزل، أي بعد الفتح واستقرار الدولة:

﴿لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ﴾ [سورة الممتحنة / الاية:8]

﴿إِلَّا ٱلَّذِينَ عَٰهَدتُّم مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْـًٔا وَلَمْ يُظَٰهِرُواْ عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّواْ إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَىٰ مُدَّتِهِمْ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُتَّقِينَ﴾ [سورة التوبة / الاية:4] ثم يقول

﴿إِنْ أَحَدٌ مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ ٱسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّىٰ يَسْمَعَ كَلَٰمَ ٱللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُۥ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْلَمُونَ﴾ [سورة التوبة / الاية:6].
والملاحظ أنه لم يكتف بواجب الجيرة، بل بالحماية حتى يبلغ المستجير مأمنه.

      فالإسلام دين تعايش ومساواة بين البشر في الإنسانية ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾ [سورة الحجرات / الاية:13].
فهل بعد هذا الوضوح في الأمر بالوفاء بالعهد مهرب منه.

نخلص مما ذكرناه إلى أن العالم كله حالياً دار عهد. إذ ترتبط دوله بميثاق الأمم المتحدة. ومنها دول العالم الإسلامي، ولتفرقه دول وطوائف كلمة أخرى.

ونختم هذه الكلمة بأنه على العالم المسيحي ألا يخشى الإسلام، وأن يكف عن تآمره على العرب، وعلى المسلمين، فينعم العالم بالسلام وتسوده العدالة والوئام. ولا يفوتنا الاشارة إلى أن ما قتله المسيحيون من المسيحيين في حروبهم المختلفة ومنها حربين عالميتين يفوق بآلاف المرات ما قتله المسلمون في جميع حروبهم معهم.

فعسى أن يتوسع علماء المسلمين في هذا الموضوع ليساهموا في نشر السلام العالمي، والله الموفق.

أحمد راتب عرموش