الأكثر رواجاً
ابحث عن
تأسست سنـــة 1390هـ - 1970م
مساحة إعلانية
الفساد والاستبداد
الفساد والاستبداد أمران متلازمان لا ينفكان لأسباب سنذكرها بعد توضيح المقصود من كل منهما. فالفساد ضد الصلاح. وهو في الفقه: مخالفة الفعل الشرع، وبحسب بعض التعريفات الحديثة : هو سلوك احتيالي مخادع من قبل رجال السلطة، وعمل غير قانوني وغير نزيه يقوم به الأشخاص الذين يشغلون مناصب لتحقيق مكاسب خاصة كالرشاوى والهدايا والتلاعب بالانتخابات وتوظيف الأتباع وتهريب الأموال وتبـيـضها، وباختصار هو خيانة الأمانة. وأما الاستبداد فيختصر تعريفه الكواكبي في كتابه طبائع الاستبداد فيقول: "إنه تصرف فرد أو جمع في حقوق قوم بلا خوف أو تبعة". كما يفعل بعض الحكام إذ يجمعون السلطات بيدهم، ويتصرفون في كل الأمور بحسب أهوائهم، وينكلون بمن ينتقدهم أو حتى ينصحهم من دون خوف من عقاب أو حساب.
وأما سبب تلازم الفساد والاستبداد، فلأن الحاكم المستبد يحتاج إلى "عزوة" أو "عصبة" كما يسميها ابن خلدون، ذات قوة ومنعة تحميه من غضب مواطنيه.
ولكي تحمي العصبة ولي أمرها يجد نفسه مضطراً لغض النظر عن تصرفاتها وإن خالفت القوانين وظلمت أو اعتدت وارتشت ومهما فعلت، ولكنه في أغلب الأحيان يحتفظ بسجل مخالفات لكل فرد من أفراد عصبته، فإن ظهر منه انحراف عن الولاء نكل به وحاسبه على كل مخالفة ارتكبها.
ولما ذكرنا لا يستطيع المستبد أن يكون عادلاً ولو صلحت نواياه .
ولذلك يفضل الناس النظام الديمقراطي على النظام الديكتاتوري إن كان شخصاً أو جماعة مع أن الديمقراطية كذبة رأسمالية، إذ يصل إلى السلطة في أغلب الأحيان أصحاب رؤوس الأموال أو المدعومين منهم لما يستطيعون إنفاقه على الدعاية وشراء بعض الضمائر. ومع ذلك فإن الحرية التي يؤمنها النظام الديمقراطي وما يتيحه من نقد يشكل هدية للحاكم الذي يرغب في الخدمة والإصلاح، فإن غفل عن متطلبات الناس أو أخطأ في سلوك أو عمل وجد من ينتقده. والحاكم الذكي يعطي شعبه كثيراً من الحرية ليكون على بينة من مختلف الأمور على عكس الحاكم الذي لا يحب أن يسمع إلا المنافقين فيضلوه. وكان عمر بن الخطاب يقول رحم الله امرأً أهدى إلي عيوبي.
إن شهوة الحكم أمر جُبل عليه الإنسان. وآخر ما ينزع الله من قلوب الصالحين حب السلطان. ولكي يستقيم أمر أي مجتمع وتـنـتـظم العلاقة فيه بين الحاكم والمحكوم يجب أن يتمسك كل فرد في المجتمع بحقوقه ويؤدي واجباته. ولتحقيق هذا الهدف لا بد من سيادة المبادىء الدينية السليمة والأخلاق الحميدة، مصدر القوانين الصالحة ومصدر قوة المواطن للتمسك بها والدفاع عنها .
أحمد راتب عرموش
بيروت في 08/04/2022