الأكثر رواجاً
ابحث عن
تأسست سنـــة 1390هـ - 1970م
مساحة إعلانية
حول معارض الكتب
بداية، وتوفيراً على الذين سيقرؤون كلمتي هذه ويتهمونني بالرجعية، والعيش في زمن مضى، وطلب المستحيل... أعترف باتهاماتهم، وأترحم على أمير البيان شكيب أرسلان الذي ألَّف كتاباً ليجيب على سؤال: "لماذا تأخر المسلمون ولماذا تقدم غيرهم؟" فمن حسن حظه أنه لم يعش ليرى واقع الأمة بعده، وما آلت إليه.
ودافعي إلى ما أكتب هو اللغط حول معارض الكتب، وتخلفها عما كانت عليه سابقاً في المضمون وليس في الشكل، وتحولها إلى مشاريع تجارية. فقد كانت منبراً للثقافة قبل أن تكون سوقاً لتجارة الكتب. وكانت تظفر بعناية المسؤولين واهتمامهم، فيولون أمر تنظيمها والإشراف عليها مثقفين يحترمون أنفسهم، ويحترمون الثقافة، ويحسنون تقدير الأشخاص والمؤسسات. كما كان معظم أصحاب دور النشر ومديروها من الفئة ذاتها. ولا أعرف كيف بدأ التحوُّل حتى أصبح معظم الناشرين تجاراً لا يحملون رسالة. وغدا بعض المشرفين على المعارض لا يميزون بين الثقافة والسخافة في اللفظ والمضمون. ولم يعد يهم هؤلاء منشورات أي دار بمقدار ما يهمهم أشياء أخرى. وأصبح تقدير الكتاب يخضع لحجمه وشكله لا لمضمونه. ولم يعد من المهم خدمة القارىء باستدراج المنشورات المفيدة له وبأسعار مناسبة، وتوجه الاهتمام إلى زخرفة المعرض وشكل أجنحته، وترتيبات افتتاحه لإيهام المسؤولين وإقناعهم بتأدية الغرض من المعرض على أكمل وجه. وهذا إن كانوا هم من المهتمين بالكتاب وبالمعرض أكثر من اهتمامهم بالدعاية.
وبما أن الناشرين يعانون من تراجع أعمالهم وضعف السيولة لديهم نتيجة الظروف المعروفة، والتي يتحدث عنها كثيرون، لم يعودوا يكترثون كثيراً لما يفرض عليهم من شروط قاسية، واستهتار بهم وبمصالحهم. وأما اتحاداتهم فقليل من أعضائها من يهتم بمصالح من يمثلهم ولو على حساب مصلحته. ومعظمهم يوازي بين المصلحتين، بينما يعمل بعضهم لمصلحته الشخصية... وكلهم لا حول لهم ولا طول إلا الشكوى والرجاء، فإن حصلوا على تخفيف قيد، أو تخفيض كلفة، اعتبرت منَّة ومكرمة من المسؤول ، وفرح بها الناشرون، وانبرى المنافقون منهم يدبِّجون مقالات المدح والثناء والتكاذب، وكأنه لا حق للناشر في عيش كريم، وفي الحصول على ثمرة أتعابه، في حين تعمد الدول المتقدمة إلى مساعدته وتقديره.
وكثيراً ما نسمع تقريعاً للناشرين من بعض المسؤولين على مغالاتهم في الأسعار، وتعميم سوء تسعير بعضهم، أو استغلالهم، على الآخرين. علماً بأن أغلى كتاب من جزء واحد في العالم العربي عموماً لا يساوي ثمنه ثمن كيلوغرام من الحلوى. وتستفيد الأسرة كلها من الكتاب، وتوَّرثه، وقد يبيعه حفيد بأكثر مما اشتراه جده. ولتخفيض سعر الكتاب لا بد من تخفيض كلفته، وقد تحدثنا عن ذلك في كلمة أخرى.
وأذكر أن مسؤولاً في أحد المعارض تحدث في لقاء جمع الناشرين عن غلاء الكتاب، وعندما انتهى من كلامه، صعد إلى المنصة صحافي ظريف فقال: "لا طيب بعد عرس، ولكن لي تعليق بسيط: يذهب الواحد منا إلى المزين ليزين شعره فيدفع عشرين دولاراً، ويبخل بعشرة دولارات لتزيين عقله" فنال من التصفيق ما أخجل المتحدث قبله، وقلت دولاراً للتعمية على البلد والحادثة.
وختاماً أؤكد لمن يقرأ كلمتي أنني لا أهدف الإساءة إلى أحد، وكل ما أهدف إليه هو إلقاء حجر في بركة راكدة، وإحداث صدمة لمن يعنيهم الأمر على اختلافهم لكي يعيدوا النظر في مواقفهم ويتقوا الله في تصرفاتهم، وحتى لا يقول قائل:
ما كانت الحسناء ترفع سترها / لو أن في هذه الجموع رجالاً
أحمد راتب عرموش
دار النفائس- لبنان