الأكثر رواجاً
ابحث عن
تأسست سنـــة 1390هـ - 1970م
مساحة إعلانية
لماذا نحرم الحرية
العداء بين الغرب والشرق سابق الإسلام، والإسلام رسخه وزاده تعقيداً. وهو نابع من النفس البشرية التي وصفها خالقها عز وجل بقوله:(ونفس وما سواها، فالهمهما فجورها وتقواها)، وقدَّم الفجور على التقوى.
وكما هو معروف: إن أحد ابني آدم قتل أخاه غيرة وحسداً عندما تقبل قربان أخيه ولم يتقبل قربانه. والدول يقودها بشر. وكثيراً ما يغلب عليهم حب السيطرة، والمنفعة، والاستيلاء على خيرات الآخرين، وبخاصة إن كانوا ضعفاء.
والإسلام الذي وحَّد العرب فانطلقوا من جزيرتهم فاتحين، وقضوا على الامبراطوريتين اللتين كانتا تتحكمان بالعالم: روما وفارس، شكلوا ظاهرة متميزة في التاريخ استمرت عقوداً، على عكس غيرهم من الامبراطوريات التي بادت. فهم على الرغم من القضاء على كيانهم السياسي الموحد، مازالت العقيدة التي جمعتهم حيَّة في نفوسهم على اختلاف مذاهبهم وطوائفهم.
وخوف الغرب، بشكل رئيس، هو من العرب السنة بشكل خاص، لأنهم هم نواة الإسلام، والقرآن بلغتهم، ولأن تعدادهم وتكاثرهم، وثرواتهم وحلمهم بعودة مجدهم، يؤهلهم للعودة مرة أخرى إلى سيادة العالم، فما حدث مرَّة يمكن أن يحدث مرات.
والملأ الذين يتحكمون بالعالم اليوم شريرون فاجرون، على عكس معظم شعوب العالم المحبة في غالبيتها للسلام. لذلك يصنِّعون لنا داعش وأخواتها وأمثالها، ليعطوا شعوبهم وشعوب العالم مثلاً بشعاً عن الإسلام الحقيقي، الذي يدعو إلى السلام وحسن التعايش بين الشعوب والأديان، لا إلى الاعتداء والإرهاب.
ومن منطلق الخوف من الإسلام أيضاً غرسوا ما يسمى "اسرائيل" في فلسطين لشطر العالم العربي، وعملوا أيضاً على تمزيق العالم الإسلامي ببث التفرقة بين أتباع المذاهب والطوائف الإسلامية، والتحريض على العرب السنة، وهم يدركون أن العرب لو منحوا الحرية لاتحدوا، وإن اتحدوا فسيشكلون قوة عالمية تحول دون استغلالهم ونهب ثرواتهم، وفرض الشروط عليهم، كما يحدث الآن. لذلك ولتحقيق أغراضهم، اعتمدوا حرمان العرب الحرية، ومارسوا ذلك بأنفسهم عن طريق الاستعمار الاحتلالي الاستيطاني. ولما لم يعد بإمكانهم الاستمرار به لجؤوا إلى طرق أخرى لكبت الشعوب العربية مستفيدين من الطبيعة البشرية التي أشرنا إليها، والتي وصفها عز وجل بقوله:( وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلاً لَمًّا، وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا)، ومن نزعة طلب المنفعة وحب السيطرة المفرطة، التي جاء في الأثر عنها: آخر ما ينزع الله من قلوب الصالحين حب السلطان. فللأمر والنهي لذة لا يعرفها إلا من مارسها، تدرك من تصرفات المستبدين، ولو أدى ذلك إلى الظلم والقهر. ما جعل الشاعر المتنبي يقول:
والظّلمُ من شِيَمِ النّفوسِ فإن تجدْ ذا عِفّةٍ فَلِعِلّةٍ لا يَظْلِمُ
ولهذا نجد أن معظم الناس، إن سمحت لهم الظروف، يتعالون على من يستطيعون التعالي عليهم، فما بالك بالرئيس الذي يختاره أحفاد المستعمرين فيدعمونه لصفات تحقق أهدافهم، و يجد نفسه محاطاً بمنافقين يزينون له أعماله وتصرفاته، صالحها وطالحها. إلا من رحم ربك ووهب من الحكمة ما يجعله يبعد المنافقين ويقرب الصالحين.
ويزيد الوضع سوءاً رعيَّة لا تحسن المطالبة بحقوقها في الحرية والكرامة، مع أنهما ليستا منحة، بل هما حق نابع من تكريم الله عز وجل لابن آدم. والمثل الشعبي:"قالوا لفرعون من فرعنك؟ قال: ما رأيت أحداً يردني".
إذاً فالقضيَّة ليست في حكام توصلوا إلى السلطة بالتغلب فحسب، بل هي أعمق من ذلك بكثير، ويشترك فيها:
- عدو خبيث شرس لا يقيم للأخلاق وزناً.
- حكام مستبدون، وكثير منهم غير مؤهل للحكم.
- مواطنون في معظمهم قابلون للاستعمار والاستحمار.
نخلص مما ذكرناه أنه لا مخرج للعالم العربي من بؤسه إلا بشيوع الحرية في ربوعه وبوحدته. وتعاونه مع العالم الإسلامي والشعوب المحبة للسلام. والله أعلم.
أحمد راتب عرموش