الأكثر رواجاً
ابحث عن
تأسست سنـــة 1390هـ - 1970م
مساحة إعلانية
ماذا حققت غزة؟
ماذا حققت غزة؟
انتقدني بعض القراء لكتابتي أن ما يحدث في غزة "بدر جديد، وكتابة تاريخ مجيد" بحجة عدم الواقعية، وبعد مضي أربعين يوماً على قتال ضار بين مظلومين يقاتلون لاستعادة أرضهم التي سلبها مجرمون، وساندهم في ظلمهم ربيون، و بين جيش نظامي غاصب محتل، أثبتت نتائج الحرب حتى اليوم عدم المغالاة فيما كتبت. وقبل اثبات ذلك أشير إلى بعض الحقائق:
1- إن اليهود على اختلاف تسمياتهم (عبرانيون، اسرائيليون، موسویون، يهود) كان وجودهم في فلسطين، إما غزاة معتدين، أو لاجئين، أو ضيوفاً، ابتداء من إبراهيم الخليل الذي جاء إليها لاجئاً مطروداً من بلاد الرافدين، إلى يومنا هذا، و إن يهود الخزر لا علاقة نسبية بينهم وبين من ذكرناهم.
2- إن اليهودية دين جاء به موسى. و بني اسرائيل قوم جاءهم موسى بالديانة اليهودية، ومنهم من آمن، ومنهم من لم يؤمن، فتسمية اسرائيل دولة يهودية خطأ فاضح، وبخاصة أن الفكرة الصهيونية هي مشروع سياسي ضد العرب والمسلمين توافق عليه زعماء طموحون يهود، واستعماريون متوحشون من مستغلي الشعوب. وفكرة أرض الميعاد استغلال ديني بداية من صاحب المشروع هرتزل الملحد، مروراً بمعظم قادة الكيان الهجين العلمانيين، وحتى اليوم. ويؤكد أن إنشاء هذا الكيان مؤامرة استعمارية صهيونية، وأن اختيار فلسطين مقراً له، تصريح لهرتزل يقول فيه: "ومن هناك - أي فلسطين - سوف نشكل جزءاً من استحكامات أوربة في مواجهة آسيا كموقع أمامي للحضارة في مواجهة البربرية، وعلينا - كدولة طبيعية-. أن نبقى على اتصال بكل أوربة التي سيكون من واجبها ان تضمن وجودنا" [من كتابه الدولة اليهودية].
وأما بيغن/ أحد رؤساء وزراء الصهاينة، فيوضح أكثر في خطاب موجه إلى رعاع يهود فيقول: "أنتم الإسرائيليون لا يجب أن تشعروا بالشفقة حتى تقضوا على عدوكم، لا عطف ولا رثاء حتى ننتهي من إبادة ما يسمى بالحضارة إسلامية، التي سنبني على أنقاضها حضارتنا" [مجلة الحوادث العدد ٧٢١]، وكثير من زعمائهم لا يخفون ذلك.
إذاً يدرك زعماء الصهاينة أن مشروع كيانهم سياسي، وأنه حاملة طائرات متقدمة للولايات المتحدة وللغرب من ورائها. وهذا يفسر الدعم غير المحدود الذي يقدمونه إلى الكيان الهجين. وأما الإجرام الذي يتجاوز سلوك الوحوش الضارية فمرده إلى تعاليم يهوه والخامات، وعقيدة شعب الله المختار، التي يستغلها صهاينة ومسيحيون صهاينة علمانيون، أو ملحدون، أو مؤمنون بخرافات لا يقرها كثير من يهود. وكثير من علمائهم بدأ يفضح هذه الخرافات.
ننتقل بعد ذكر هذه الحقائق إلى اختصار الوضع الإسلامي والعربي في فلسطين عشية 7/10/2023: حكومة هيونية متطرفة تفرض حصاراً على غزة، وتهيئ للانقضاض عليها، وتهجير أهلها، لأغراض اقتصادية بدأت تتكشف. واستيطان يتوسع يومياً في الضفة الغربية، لإسقاط مشروع الدولتين، واعتداءات من المستوطنين على الفلسطينيين
وهدم منازلهم، وإتلاف مزروعاتهم، وانتهاك حرمات المسجد الأقصى باستمرار. وعالم عربي رضى معظمه بالهزيمة، ومال إلى التعايش. ولخص حاله السادات عندما صرح بأنه يواجه أميركا، وأنه لا يستطيع محاربتها. والعالم كله غافل، أو متغافل، عما يفعله الصهاينة، وما ينوون فعله، إذ لا حدود لمطامعهم.
وعلى الرغم من قتامة الصورة، أدرك معظم الفلسطينيين ما ينتظرهم، وعلى رأسهم تنظيم حماس، الذي كان يخطط بهدوء لمواجهة المغتصب، وقام في 7/10/2023 بعملية عسكرية استباقية أظهرت هشاشة الجيش الذي لا يقهر، والأخبار تغني عن سرد ما حصل. وكانت ردة فعل الولايات المتحدة، ومن يدور في فلكها كما يعرف الجميع، قوية وظالمة وهددت بالويل والثبور وعظائم الأمور، وبدأ تدمير غزة ، وإبادة سكانها، مع شعب فلسطين كله. ومازال القتال مستمراً عند كتابة هذه السطور.
وهنا يطرح كثيرون تساؤلاً أما كان من الأفضل الاستغناء عن هكذا عملية معروفة التكاليف وردود الأفعال. والجواب بالتأكيد إن هذا التساؤل في غير مكانه. فالذي كان يجري من قتل وتدمير بالتقسيط، يجري اليوم بالجملة. ولكن هناك مكاسب كثيرة حققتها هذه العملية الاستباقية أهمها:
أولاً: عرَّت الجيش الذي لا يقهر فقهرته، وأسرت عدداً كبيراً من قادته، وفضحت افتراءات العدو، ومن وراءه بمحاولة وصمها ووصم الإسلام بالإرهاب، واغتصاب النساء، وقطع رؤوس الأطفال، وأظهرت كذبهم وافتراءاتهم.
ثانياً: فضحت الصهاينة، قتلة الأطفال، أمام شعوب العالم، وبينت بالأدلة والصور أنهم مجرمون يدمرون المستشفيات على المرضى، ويقصفون المدارس والمساجد والكنائس على من فيها بالطائرات والصواريخ، فانقلب الرأي العام الشعبي العالمي ضدهم، وضد الحكام المؤيدين لهم.
ثالثاً: لم تعد حماس فصيلاً إخوانياً، بل أصبحت فكرة خالدة بأفكارها، وحدت الفصائل الفلسطينية كلها وجعلتها تنضم إليها في قتالها، على اختلاف أهوائها ومشاربها، كما جعلت جميع الفلسطينيين يرفعون شعار: كلنا حماس.
رابعاً: أعادت القضية الفلسطينية إلى واجهة الأحداث بعد أن نسيها الناس، وايقظت العالم العربي بعد نوم على المأساة. ولن يكون ما بعد 7/10 كما قبله.
صحيح أنه سقط ضحايا كثيرون ودمرت غزة، ولكن الضحايا لم يكونوا يعيشون حياة بشر، وهم اليوم إن شاءالله شهداء عند ربهم يرزقون. وأما الحجر فيعاد بناؤه أفضل مما کان. ولا ريب أن العدو أيضاً تكبد خسائر كبيرة يصعب عليه تحملها. وأظن أن ما حصل هو بداية النصر، فكل يهودي صهيوني قدم إلى فلسطين حالماً ببلاد السمن والعسل، والعيش الرغيد، سيبدأ بالتفكير في مستقبله، ومستقبل أولاده، وهو يتعرض إلى حرب كل بضعة أشهر، أو إلى طعن بسكين، أو دهس بسيارة ... ولا يجد مسوغاً لهكذا حياة قلقة. وبما أنه يملك جنسية أخرى، فلماذا لا يعود إلى بلده، وبخاصة أنه يعلم أنه معتدٍ أثيم. وأن أصحاب الأرض ومن حولها لن يتركوه يعيش بأمان.
ويدفعه إلى الهجرة أيضاً خلافات سياسيّه وأحزابهم، وصراعاتهم، وتفكك المجتمع الذي يعيش فيه، وانتشار عقيدة يهودية أن الله كتب على اليهود التشتت في مختلف بقاع الأرض. وأن إنشاء دولة يهودية مخالف للعقيدة والدين. وأن الصهيونية فكرة استعمارية، وحرب صليبية. ولن تمضي مدة طويلة حتى تسقط الدولة الصهيونية بالضربة القاضية.
ولن يبقى في فلسطين الا اليهود العرب والقادمون من بلاد بائسة. وسيعيش هؤلاء مع المسلمين والمسيحيين كما كانت فلسطين قبل الاستعمار والاحتلال.. وهذا لأن حل الدولتين لن يكتب له النجاح لأسباب كثيرة لها كلمة أخرى.