الأكثر رواجاً

التاريخ الاسلامي الوجيز

يؤرخ لدول المسلمين من بداية ظهور الإسلام وحتى الانقلاب…

القواعد الفقهية في كنز الراغبين للمحلي

الإلمام بالقواعد الفقهيَّة ضروري لكل طالب علم ولكل…

إعراب القرآن الكريم كبير

أعربت كلمات وجمل كل صفحة من المصحف في الصفحة ذاتها،…

ابحث عن

مؤسس الدار : أحمد راتب عرموش
تأسست سنـــة 1390هـ - 1970م
 

مساحة إعلانية

 
تمت اضافة خاطرة جديدة ضمن اخترنا لك بعنوان: وليس الذكر كالأنثى......................... تم رفع كتاب النشاط السري اليهودي للأستاذ غازي فريج ضمن الكتب المجانية
 
 

خطر خفي يهدد ثقافتنا

خطر خفي يهدد ثقافتنا

بداية ألفت الذين يتساءلون عن الأسباب التي تدفعني إلى الكتابة، ويرون أن الناشر تاجر عليه الاهتمام بتجارته وتسويق منشوراته، ولا يكشف ميوله حتى لا يفقد زبائن يخالفونه الميول والاتجاهات.

وقد أجبت سابقاً على هذا التساؤل، وأضيف بعض التوضيحات، وأبدأ بسؤال: أليس التاجر مواطناً له حق إبداء رأيه كغيره من المواطنين؟

وما أكتبه إما مؤلفات في اختصاصي وخبرات علمتني إياها الحياة، لإثراء الثقافة العربية، أو كلمات مختصرة، بعضها يخص قضايا النشر ومعوقاته وسبل حلها، ومعظمها يتناول قضايا أخلاقية وثقافية، تلبية لأمر الله عز وجل بالأمر المعروف والنهي عن المنكر بقوله: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ﴾ [آل عمران/110] وقوله قبلها: ﴿وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [آل عمران/104]، ولأمر رسوله (ص) رواية عن عائشة (مروا بالمعروف وانهوا عن المنكر قبل أن تدعوا فلا يستجاب لكم) [أخرجه ابن ماجة]. ولأنه من لم يهتم بأمر المسلمين ليس منهم. ويجب ألا تحول طبيعة العمل دون القيام بالواجب. علماً بأنني ألتزم دقة التعبير وعدم التعميم، والابتعاد عن ذكر أشخاص أو جماعات أو دول بعينها، لا مدحاً ولا قدحاً، فالغاية الاصلاح لا الانتقاد والتشهير.

وفي هذه الكلمة سأتحدث عن دور النشر، ودورها الثقافي، وما ينتظرها، وأثر ذلك في ثقافة الأمة.

فمنذ سنوات ليست كثيرة كانت دور النشر في البلاد العربية تعد بالعشرات، وكانت كلها مرتاحة مادياً، هي والمكتبات، لأن الكتاب كان وعاء المعرفة الوحيد، وكان مطلوباً للتعلم، وللتثقف، وللتسلية...

أما اليوم فدور النشر العربية تعد بالآلاف. وللكتاب منافسين أقوياء في أجهزة الحاسوب، والهواتف الذكية، والشبكة العنكبوتية وغيرها...

وكانت معظم دور النشر تجارية، تطبع الكتاب وتوزعه على المكتبات، ولا يعيق توزيعه إلا بعض الرقابات في بعض البلدان. ووجدت بعض الدور التابعة لأحزاب، أو جمعيات، أو منظمات. ومهمتها نشر أفكار الجهة التابعة لها. وهذه الدور خارج موضوعنا.

وأما معارض الكتب فقد كانت ترعاها الدول، وكانت مجانية، فلا اشتراكات ولا تخليص كتب، ولا مصاريف كالتي نراها اليوم. وربما استضافت بعضها المشاركين.. وما كان يرفض طلب مشارك، لمحدودية عدد الناشرين وتوافر المساحات. وكان مسؤولوا المعارض يعدون الناشرين ضيوفاً فيقدرونهم، ويحترمونهم، ويقدمون إليهم ما يستطيعون من مساعدة. كما كانت لجان الشراء غالباً تهتم بالكتاب ومستواه وفائدته، بغض النظر عن صاحب الدار.

واليوم تحوَّل معظم المعارض إلى مشاريع شبه تجارية، وبعضها مشاريع ربحية. وكثر عدد دور النشر، من دون أن تجاريها مساحات العرض.. وتسلم إدارات المعارض شباب بعضهم كما يقولون في بلاد الشام "سكَّرة" يحبون عملهم، ويهتمون بالقارئ وبالثقافة الأصيلة، ويتحملون المسؤولية ويحترمون الناشرين ويقدرون دورهم الثقافي، ويحسنون الإدارة، فإن وجدوا مثلاً مساحات العرض لا تكفي لعدد مناسب من الناشرين الذين يدركون أهمية وجودهم لمصلحة القارئ، اقتصروا على مساحات محددة لكل دار ولو أتعبهم تغيير الخرائط، ولوم النافذين...

وبعضهم "حنظلة" لا يهتم بالقارئ، ولا بما يعرض، ويتعالون على الناشرين ولا يدركون أنه لا يدوم إلا الحي القيوم، وأن العاملين في ميدان الثقافة يجب أن يكونوا أسرة واحدة هدفها خدمة المجتمع ونشر الثقافة الرصينة، لرقي المجتمع وتقدمه.

نخلص مما ذكرنا إلى ضرورة تنبه العاملين في الميدان الثقافي كلهم، إلى أن ثقافتنا في خطر، وهي تتعرض لغزو مدروس، ومخطط ذكي يهدف إلى إلحاقنا بذيل ثقافة لا تتماشى مع أخلاقنا ودياناتنا وقيمنا الاجتماعية. وتقع المسؤولية في التصدي لهذا الخطر على الدولة والمثقفين والمؤسسات الثقافية، ومنها دور النشر، وإدارات المعارض.

وإهمال دور النشر المتزنة وتشجيع الكتب التافهة والدور التي تنشرها هو أحد طرق محاربة الثقافة الرصينة والأصيلة. والملاحظ وجود خطة مدروسة من بعض الجهات لا كلها تساعد على تنفيذ هذه المخططات الجهنمية التي لا ينتبه إليها كثيرون.

هم يريدون الانحراف بالدين لما عجزوا عن إقصائه، فيروجون تحت شعارات براقة كالحرية والتقدمية، لتقبل ممارسات مستنكرة، تخالف الفطرة الإنسانية، كالشذوذ الجنسي، وتحويل الذكر إلى أنثى والانثى إلى ذكر ونشر الإلحاد..، وبعض من بيدهم الأمر غافلون عما يجري، أو غير مقدرين لخطره، أو متقبلون له.

ويمكن ملاحظة ما ذكرناه في الترحيب بدور النشر التي تجاري الواقع وتوجيهها في المعارض إذا استثنينا بعض أعضاء الاتحادات وأصحاب النفوذ، أو المقربين لأسباب اخرى. كما يظهر في توجيه لجان الشراء إلى دور دون أخرى. هذا إذا استثنينا في حديثنا ما يعرض على القنوات الفضائية من توافه، لدرجة دفعت بعض المثقفين إلى تسمية هذا العصر بعصر التفاهة. والحديث يطول، وكل واع يدرك ما يحصل.

إن رد الفعل على ما يجري في صناعة النشر التي نخصها بهذه الكلمة يجب أن يكون بشعور العاملين في هذه الصناعة بالمسؤولية، وبخاصة المكتبات والإحجام عن تسويق كل ما يضر بثقافة الأمة، وإن كان مردوده جيداً. وبإصرار المؤلفين على كتابة ما يفيد من دون النظر إلى المردود المادي لنشر الوعي لدى القراء. وأما دور النشر فعليها تحمل العبء الأكبر، ولاريب أن واقع الحال يشير إلى وجود دور واعية تحمل رسالة، وأخرى لا تهتم إلا بالمردود المادي. ويوجد من يزاوج بين الإفادة والاستفادة. وهذه طبيعة الحياة وإن كنا نحلم بأفضل من واقع الحال.

ولا يفهم مما ذكرنا الانغلاق تجاه الثقافات الأخرى. ولكن يجب أن نكون عقلانيين انتقائيين، لا تابعين ولا تافهين. وأختم بقول الشابي:

                   ولا بد لليل أن ينجلي     ولا بد للقيد أن ينكسر