الأكثر رواجاً

التاريخ الاسلامي الوجيز

يؤرخ لدول المسلمين من بداية ظهور الإسلام وحتى الانقلاب…

القواعد الفقهية في كنز الراغبين للمحلي

الإلمام بالقواعد الفقهيَّة ضروري لكل طالب علم ولكل…

إعراب القرآن الكريم كبير

أعربت كلمات وجمل كل صفحة من المصحف في الصفحة ذاتها،…

ابحث عن

مؤسس الدار : أحمد راتب عرموش
تأسست سنـــة 1390هـ - 1970م
 

مساحة إعلانية

 
تمت اضافة خاطرة جديدة ضمن اخترنا لك بعنوان:الخيار الخاطىء........................... تم رفع كتاب النشاط السري اليهودي للأستاذ غازي فريج ضمن الكتب المجانية
 
 

لماذا نحن مختلفون

بقلم الاستاذ أحمد راتب عرموش

 

لاريب أن المسلمين عامة، والعرب منهم خاصة، متخلفون، ومختلفون. ومما يختلفون فيه تحديد أسباب تخلفهم. فبعضهم يحصر أسباب التخلف بالمؤامرات الخارجية، وبعضهم يدعي أن العرب فاسدون بطبيعتهم، وغيرهم يحمل الحكام أسباب تخلّف شعوبهم، ويؤكد أن الاستبداد وفقدان الحرية يؤديان إلى التخلف حتماً. وربما ادعى آخرون أن افتقار مجتمعاتنا إلى النخب، أو إهمال هذه النخب إن وجدت، من علماء ومثقفين، واجباتهم يحول دون تقدم شعوبهم. في حين يجعل كثيرون الدين والتدين من أهم أسباب التخلف ويرون أن الدين الاسلامي لا يتماشى مع تطور العصر، هذا بالإضافة إلى الفقر والجهل.

والحقيقة: إن جميع ما ورد من آراء وأفكار فيه شيء من الصواب. وليس الصواب كله.

فالمؤامرات الخارجية رفيقة تاريخنا، وما لا شك فيه أن أعداءنا لا يتبعون وسائل أخلاقية في سعيهم لتأمين مصالحهم... ولكن لو كانوا لا يجدون في مجتمعاتنا، وبين حكامنا، من يعدون الأجنبي ولي أمرهم وحاميهم من شعوبهم لما استطاعت المؤامرات الخارجية تحقيق أي نجاح.

ومن الأمثلة البارزة على المؤامرات الخارجية: ثورة الشريف حسين الذي وعدوه بخلافة المسلمين، ولم يدعوه يموت أو يدفن في بلاد المسلمين، واغتصاب فلسطين وغير ذلك كثير... وأهمه بث الفتن، ودعم الاقتتال الداخلي وهكذا نجد للمؤامرات الخارحية نصيباً وافراً في تخلفنا.

والذين يظنون أن العرب فاسدون بطبيعتهم فهم يصدرون أحكاماً سطحية متأثرين بالواقع العربي البائس. والحقيقة - في ما نظن – أنه لا يوجد شعب فاسد وشعب نبيل، وإن كانت تطغى على كل شعب من الشعوب صفات غالبة يشتهر بها. وتتأثر أخلاق كل شعب بظروفه الحياتية والثقافية. ولو نظرنا إلى صفات العربي قبل الإسلام لوجدنا صفات نبيلة وأخرى سيئة، ولكن العرب مجّدوا الصفات النبيلة وطغت على أشعارهم وأمثالهم بغض النظر عن عقائدهم. فحاتم الطائي كان نصرانياً والسموأل يهودياً، وعمرو بن كلثوم وثنياً. وكانت الصفات الغالبة على العرب النبل والأخلاق والشجاعة والكرم... والله أعلم حيث يضع رسالته، فلما حُمِّل العرب الأمانة حققوا المعجزات، وتركوا لنا تاريخاً ناصعاً نتباهى به ونتأسف على إضاعتنا الأمانة.

وهذا منشؤه ما لاقاه العرب من تكالب الأمم عليهم، والظلم الذي حاق بهم، والمؤامرات الداخلية والخارجية، ماأفسد أخلاق كثيرين فغدت صورة العربي والمسلم مشوهة، وسنحتاج إلى دراسات معمقة وجهود جبارة لإعادة العربي إلى أصالته ودينه النقي.

أما الحكام، فهم بشر وليسوا ملائكة. والبشر تحكم تصرفاتهم مصالهحم الشخصية، إلا من رحم ربك. وأكثر ما يستهوي البشر حب السلطان، فللأمر والنهي لذَّة لا تعادلها لذة، كما قال الجاحظ. فما بالك إذا أضيف إلى ذلك الفوائد المادية التي تؤمنها السلطة للحاكم وأعوانه، وبخاصة إن أمِنَ الضوابط والحساب الناتجين عن وعي المواطنين ومراقبتهم، وأحياناً مقاومتهم التي يفترض أن تهدف إلى الإصلاح لا إلى التخريب. ولن تتحسن أحوالنا إلا إذا كان لا يتغير تفكيرنا وعملنا عندما نكون في السلطة أو خارجها. ومن هنا نجد للحكام دوراً في تخلف الأمة وتجهيلها، فمن أولى طبائع الاستبداد تجهيل الشعب حتى لا يدرك واقعه.

أما النخب فليست معدومة، كما يظن بعض الناس، ولكنها هي تشكِّل أزمة وتخلق مشكلة، أكثر مما تعاني هي من أزمات ومشكلات. "فعلماء الدين" ينطبق على غالبيتهم وصف "شيوخ السلطان" يحللون للحاكم ويحرِّمون له بحسب طلباته وأهوائه، ليستفيدوا من فتات موائده، وبخاصة أن بعضهم يعاني من الحاجة والفقر وتثقل كاهله أعباء الحياة ومتطلباتها. ولا يخفى الحلف غير المقدس القائم عبر التاريخ بين رجل السياسة، ورجل المال، ورجل الدين، لتأمين المصالح المتبادلة.

ومعظم المثقفين يتحكم في سلوكهم المصلحة ومنطق العواطف. فتوعية الشعب ، وتنبيه الحاكم، إن لم تكلف المثقف حياته أو حجز حريته، تحرمه ما يستحق من مكانة ومنافع. بينما السير في ركاب الحاكم وتبجيله، وتمجيده، وتبرير أفعاله يؤمن للمثقف فوائد جمة. ولهذا نجد على الفضائيات وغيرها من وسائل الإعلام كثيراً من النخب ينافقون ويضللون، ويبيعون بدنياهم دينهم.

وباختصار إن ما يحكم سلوك الأعداء، والحكام، ومعظم النخب هو المصلحة. ومع أنه لا يحق لنا أن ننكر على الآخرين تأمين مصالحهم، لأن ذلك من طبيعة البشر، فإنه يحق لنا أن نقول لهؤلاء: إن لكل شيء حدوداً لا يصح تعدّيها. وبخاصة ما يقوم به بعض الحكام من إجرام بحق شعوبهم في سبيل استمرارهم بالحكم، والحفاظ على مراكزهم، غير آبهين بمصير شعوبهم، ومتناسين بدهية من بدهيات الحياة هي، أن كل ما له بداية له نهاية.

وأما الذين يعدّون الدين الإسلامي سبب التخلف فهم أقسام:

قسم ملحد عدو للدين عموماً، وقسم يعادي الدين الإسلامي. وكلاهما يستغل، لإدانة الدين، واقع المسلمين المؤلم، وجهل بعض "رجال الدين" الذين يتداولون خرافات لا أصل لها في الدين، ولا يقبلها عقل واع أو شرع. وهم أكثر من يُؤمِّن لهم الظهور في وسائل الإعلام للتحدث عن خرافاتهم. وكل ذلك خوفاً من عودة الدين النقي إلى حياة الناس وسيادة المسلمين العالم كما حدث سابقاً. ولهذا تُصنَّع أمثلة حيَّة مشوّهة للإسلام.

وهناك قسم ثالث لا يعادي الدين، ولكنه يرى أن الغرب عاش في ظلمات الجهل والتخلف سنوات حتى إذا ما فصل الدين عن شؤون الحياة وحصره في الكنيسة، حقق نهضة علمية وتفوقاً نراه ماثلاً للعيان. فلماذا لا نحذو حذو الغرب ونكرر تجربته؟

ونحن في هذه العجالة لا نهدف إلى الدفاع عن الإسلام، فهو ليس بحاجة إلى من يدافع عنه، هو بحاجة إلى من يفهمه. ولكننا نشير إلى أن واقع الحال يؤكد أن الإسلام في واد، والمسلمين في واد آخر. فهو نظام عالمي لو عُرض بنقائه بحكمة على مختلف صنوف البشر لارتضوه نظاماً لحياتهم، لما يتضمنه ويدعو إليه من عدل، وحرية، ومساواة، وتركيز على عمارة الأرض وطلب العلم، والعمل للدنيا كأن عيشها مستمر، وللآخرة التي لابد منها.

وأما الذين يعزون سبب تخلفنا إلى الفقر، الذي أدى إلى الجهل، فنظريتهم معكوسة الجهل هو الذي يؤدي إلى الفقر. والادعاء بأننا فقراء بجانب الصواب، فلدى العرب والمسلمين ثروات تفوق كثيراً ما لدى معظم شعوب الأرض، ولكن معظم المتحكمين بهذه الأموال "سفهاء" بالمعنى الفقهي للكلمة. ولا يحسنون التصرف في أموالهم، ويستعملونها في غير مصارفها الصحيحة.

ولو أن شعوبنا عرفت حقوقها ودافعت عنها، ولو أن نخبنا واجهت الأمور بشجاعة، ولو أن علماء الدين عندنا فهموا الدين وأفهموه. ولو أن حكامنا تخلوا عن أنانيتهم واهتموا بمصالح شعوبهم، لما كنا متخلفين مستضعفين. فلا يحملن فريق المسؤولية لفريق آخر. كلنا مسؤولون.

وللخروج من هذا الواقع المرير نحتاج إلى عمل حكيم، وصبر طويل. ويمكننا أن نختصر ما ينبغي عمله بعناوين يجدر بحث كل منها بمقال منفصل، وهي مطروحة للدراسة والنقاش.

1- التنبه إلى أن الدول ليست جمعيات خيرية، ما يوجب إدراك تبعات أي تعامل مع الأجنبي، من قبل الدول والمنظمات، والأفراد.

2- دراسة الصفات الايجابية، والنواحي السلبية لدى الفرد العربي والمجتمع، والعمل على تنمية الإيجابية منها والابتعاد عن السلبية الضارة.

3- السعي بجديَّة ومسؤولية إلى تأمين مناخ الحرية في المجتمعات العربية للأفراد والتنظيمات، ويكون ذلك بأن يعرف المواطن حقوقه ولا يتنازل عنها. وينضبط الحاكم ويدرك نتائج القمع والاستبداد.

4- تصنيع النخب ومساعدتها ودعمها والابتعاد عن تشويه سمعتها وتحطيمها. والعمل على تحريرها من الحاجة المادية التي تربطها بحاكم أو مسؤول.

5- التصدي لظاهرة "رجال الدين" الشائعة بالزي الخارجي المعروف، والسماح للعلماء فحسب بارتدائه وإرشاد الناس.

6- نشر الوعي الديني بعيداً عن الخرافات والتجاوزات والتطرف الممقوت شرعاً. وتبيان أن الدين تعامل وأخلاق، كما هو عبادات وطاعات.

7- نشر العلم، وتشجيع الأبحاث، واقتباس ما نحتاجه ويتلاءم مع مجتمعاتنا وثقافتنا، من علوم الآخرين، في مختلف المجالات.

8- ترشيد صرف الأموال والثروات التي أنعم الله بها على الدول والأفراد.

وهذه أمنيات ندرك صعوبة تنفيذها، ولكن لا بد منها للتخلّص من التخلف.